روائع مختارة | روضة الدعاة | تاريخ وحضارة | ديوان النظر في المظالم.. نشأته وتطوره

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > تاريخ وحضارة > ديوان النظر في المظالم.. نشأته وتطوره


  ديوان النظر في المظالم.. نشأته وتطوره
     عدد مرات المشاهدة: 2376        عدد مرات الإرسال: 0

بسبب تضخُّم ظروف الحياة في الخلافة الإسلامية، ظهرت وظيفة (نظر المظالم) إلى جانب وظيفة القاضي.

وقد تطوَّرَتْ حتى أصبحت منصبًا قضائيًّا مهمًّا، يعني مَنْع الظُّلْـمِ عن الرعية، ولَـمَّا كان القاضي يعجز عن النظر فيه؛ لتناوله جهاز الحُكْمِ، فإن الذي كان ينظر فيه هو الخليفة، أو مَنْ ينوب عنه من كبار رجال الدولة[1].

 أهمية وظيفة النظر في المظالم:

وقد ذكر ابن خلدون أهمية هذه الوظيفة بقوله: "هي وظيفة ممتزجة من سطوة السلطنة ونَصَفة القضاء، وتحتاج إلى علو يد، وعظيم رهبة تقمع الظالم من الخصمين، وتزجر المتعدي، وكأنه يُمْضِي ما عجز القضاة أو غيرهم عن إمضائه.

ويكون نظره في البيِّنَات والتقرير، واعتماد الأمارات والقرائن، وتأخير الحكم إلى استجلاء الحق، وحمل الخصمين على الصلح، واستحلاف الشهود، وذلك أوسع من نظر القاضي"[2].

ويقول الماوردي: "نظر المظالم هو قَوْدُ المتظالمين إلى التناصف بالرهبة، وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة؛ فكان من شروط الناظر فيها أن يكون جليلَ القدر، نافذَ الأمر، عظيم الهيبة، ظاهر العفَّةِ، قليل الطمع، كثير الورع؛ لأنه يحتاج في نظره إلى سطوة الحماة[3]، وثَبْتِ القضاة، فيحتاج إلى الجمع بين صفات الفريقين، وأن يكون بجلالة القدر نافذَ الأمر في الجهتين"[4].

هذا، وكان اختصاص مَنْ ينظر في المظالم واسعًا؛ يشمل: النظر في تعدِّي الولاة على الرعية وأخذهم بالعسف في السيرة، وجور العمَّال فيما يجبونه من الأموال. وكُتَّاب الدواوين؛ فيتصفَّح أحوال ما وكل إليهم... وتظلُّم المسترزقة من نقص أرزاقهم، أو تأخُّرها عنهم، وإجحاف النظر بهم.

وَرَدّ الغصوب؛ فيتصفَّحها ليجريها على سبيلها، ويمضيها على شروط واقفها إذا عرفها، وتنفيذ ما وقف القضاة من أحكامها لضعفهم عن إنفاذها، وعجزهم عن المحكوم عليه لتعزُّزه، وقوَّة يده، أو لعلوِّ قَدْرِه[5].

 ومن هنا نتبيَّن أن قضاء المظالم كان أشدَّ وقعًا، وأسرع نفاذًا، وأوسع مدًى؛ وأن اختصاصه يشمل القضاء العالي ومجلس الدولة في زماننا، كما نقف على مبلغ أهمية هذه الوظيفة، وما كان لصاحبها من السلطة، ونفاذ الكلمة، وعلى ما كان عليه النظام القضائي من الدقَّة، وهو نظام لا يقلُّ كثيرًا عن مثيله في الوقت الحاضر، مع أنه قد ساد منذ نيف وعشر قرنًا[6].
 

 السبق الإسلامي في استحداث الوظيفة:

ولا بُدَّ لنا من الإشارة هنا إلى أن النظر في المظالم، يُشبه إلى حدٍّ كبير ما يُسمى في وقتنا بـ "القضاء الإداري"، ويُطلق عليه في مصر اسم "مجلس الدولة"، ولم يُعرف مجلس الدولة في أوربا، وخاصة في فرنسا -بلد القوانين والدساتير- إلا بعد الثورة الفرنسية، أي في أواخر القرن الثامن عشر، في دستور عام 1799م.

وذلك بشكل مبدئي، أما القانون الذي نُظِّم بشكله الحالي فلم يصدر إلا في عام 1872م، وقد كان يُطلق عليه قبل ذلك في عهد المملكة الفرنسية، اسم "مجلس الملك"، وأن مهمة هذا المجلس، كانت استشارية من جهة، وقضائية إدارية من جهة أخرى.

 بَيْدَ أن المؤلفين في تاريخ الحقوق الفرنسية يُؤَكِّدون بأن مهمته الحقيقية كانت فخرية، وأنه لم يمارس القضاء الإداري قط، فإذا ما عرفنا أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (ت 86هـ) جلس للمظالم، تيقَّنَّا أن الحضارة الإسلامية قد اهتدت هذا النوع من القضاء الإداري قبل أكثر من ثلاثة عشر قرنًا، وهو ما لم يعرفه الفرنسيون ويُطَبِّقوه بالفعل إلا في الأزمنة الأخيرة[7].

--------------------------------------------------------------------------------

[1] الخشني: قضاة قرطبة ص54.

[2] ابن خلدون: العبر وديوان المبتدأ والخبر 1 222.

[3] الحماة: القادة.

[4] الماوردي: الأحكام السلطانية ص64.

[5] المصدر السابق ص69، 70.

[6] أبو زيد شلبي: تاريخ الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي ص128.

[7] مصطفى البارودي: الوجيز في الحقوق الإدارية ص57، 58. وظافر القاسمي: نظام الحكم في الشريعة والتاريخ 2 555.

الكاتب: د. راغب السرجاني

المصدر: موقع قصة الإسلام